شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا هائلًا في تقنيات الجراحة، خاصةً مع دخول الروبوتات إلى مجال الطب والجراحة. وقد أدت هذه الثورة التكنولوجية، مدفوعة بالتقدم في الهندسة والطب، إلى دخول عصر العمليات الجراحية” الأقل تدخلاً والأكثر فعالية“؛ من جراحات طب العيون الدقيقة إلى العمليات الجراحية المعقدة. يعد استخدام الروبوتات في الجراحة العصبية واحدًا من أعظم الابتكارات التي ظهرت في العصر الحديث، حيث يجمع بين الدقة غير المسبوقة والحد الأدنى من التدخل الجراحي. الجراحة الروبوتية للمخ والأعصاب لم تُحدث فقط طفرة في كيفية تنفيذ العمليات الجراحية بل ساهمت أيضًا في تحسين نتائج المرضى وتقليل المخاطر المرتبطة بالتدخل الجراحي التقليدي كما تساهم في الإسراع من فترة تعافي المريض. وفقًا للإحصائيات الحديثة، زادت نسبة العمليات الجراحية الروبوتية بنسبة 20% سنويًا على مستوى العالم، مما يعكس التوسع المتزايد في استخدام هذه التقنية. ومع ذلك، تأتي إلى جانب هذه التطورات تحديات تتطلب دراسة متأنية، مثل الاندماج السهل مع الأدوات الجراحية الأساسية والتوجيه الرقابي وتأثير العنصر البشري على استخدام الروبوتات في مجال الجراحة. في هذا المقال، نستعرض تطور الجراحة الروبوتية في المخ والأعصاب، مزاياها، تطبيقاتها السريرية، التحديات التي تواجهها، وآفاقها المستقبلية.
أولا: التطور التاريخي للجراحة الروبوتية في المخ والأعصاب
ظهر مصطلح ”الروبوت“ في بداية القرن الماضي، وهو مشتق في الأصل من الكلمة التشيكية ”روبوتا“، وتعني ”العمل“. في الآونة الأخيرة، تم تطبيق تقنية الاستعانة بالكمبيوتر والروبوتات القائمة على مفهوم الجراحات عن بُعد كما استُخدم الواقع الافتراضي للتدرب على العمليات الجراحية. ويعود تاريخ تطبيق الروبوتات في الجراحة إلى ما يقرب من 35 عامًا، وقد شهد نموًا كبيرًا في العقدين الأخيرين مدفوعًا بظهور التقنيات الحديثة. وعلى الرغم من حداثة عهدها وقصر مدتها في تاريخ الجراحة، فقد أثبتت التكنولوجيا الروبوتية بالفعل قدرتها على تحسين الرؤية والمهارة والدقة الفائقة أثناء العمليات الجراحية قليلة التوغل. وفي الوقت الحالي، فإن نظام الروبوت المنتشر والسائد عالميًا والمستخدم في الجراحة هو نظام دافنشي من شركة إنتيويتيف سيرجيكال (Intuitive Surgical)، إلا أن تطور الجراحة الروبوتية لم ينتهِ بعد، مع وجود العديد من المنافسين المحتملين في السوق الذين يدفعون تطويرها إلى الأمام.
في عام 1985، أدخل البروفيسور كووه الروبوتات لأول مرة في جراحة الأعصاب. ومنذ ذلك الحين، أدت التطورات التي طرأت على أدوات الأشعة والتصوير العصبي إلى الهيمنة على الروبوتات التصويرية العادية. أُجريت عملية تقصّي ومراجعة شاملة باستخدام قواعد البيانات الأكاديمية والباحثين للحصول على معلومات مهنية دقيقة. ويكشف هذا التقصي عن ظهور العديد من التقنيات الناشئة في المقدمة، والتى تتضمن تصفية الارتعاشات غير المقصودة أثناء الجراحة، وزيادة المدى الحركي وتفادي المعوّقات، واستشعار القوة المستخدمة. والذي من شأنه أن يقدم إسهامات كبيرة في تحقيق الكفاءة العالية والدقة المتناهية والفعالية لجراحة الأعصاب بمساعدة الروبوت. وقد تم تطبيق هذه التقنيات في روبوتات جراحة الأعصاب المبتكرة المتوافقة مع الرنين المغناطيسي مثل Neuroarm و Neurobot، ومع الجراحة الموجهة بالتصوير في الوقت اللحظي. وعلى الرغم من هذه التطورات، يعتبر التحدي الرئيسي هو التوافق مع الرنين المغناطيسي من حيث المساحة والأدوات والتحكم والتصوير. من المتوقع أن تركز الاتجاهات البحثية المستقبلية على 1) الاستشعار الروبوتي الدقيق؛ 2) الذكاء الاصطناعي؛ و3) تطوير الجراحة عن بُعد.
إن مجال جراحة الأعصاب مناسب تماماً لتطبيق التقنيات الجراحية الروبوتية. يتضمن تشريح الدماغ المعقد ثلاثي الأبعاد للدماغ شبكات مترابطة لا حصر لها مع شبكات الأوعية الدموية العلوية والسفلية، والتي يمكن تصويرها جميعاً على نظام مرجعي محوسب مترابط الإحداثيات. تعمل الكثافة الصلبة للجمجمة التي تغلف هذه البنية الدماغية الحساسة، عندما تكون ثابتة في موضعها بشكل محكم، كنقطة مرجعية ثابتة مفيدة للتصوير والتخطيط. وعلاوة على ذلك، فإن الطبيعة التقنية العالية للإجراءات الجراحية العصبية، بما في ذلك الأساليب الجراحية المجهرية وطول فترة العمليات، تعني أن الجراحين معرضون للإرهاق وارتعاش اليدين غير المرغوب فيهم بالطبع أثناء الجراحات الطويلة والخطيرة. لذلك كان من الطبيعي أن تصبح التكنولوجيا الروبوتية في نهاية المطاف عاملاً مساعداً في جراحة الأعصاب.
تُعد الروبوتات مجالاً سريع النمو، حيث تعمل الروبوتات – جنباً إلى جنب مع التقدم في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي – على تغيير ممارسة جراحة الأعصاب. هناك أمل في أن تقضي الروبوتات على الأخطاء الجراحية، وتقلل من أوقات العمليات وتوفير نفس مدى حواف الاستئصال الجراحي أو حتى توفيرحواف استئصال أكبر مع إجراء العمليات الجراحية بأقل قدر من التدخل الجراحي التقليدي؛ وهذا يعني نتائج جراحية ممتازة مع الحد الأدنى من المضاعفات. وعلى الرغم من أننا نرى بعض الخطوات الإيجابية في هذا الاتجاه، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً بسبب التعقيد التشريحي للدماغ والقيود المكانية المرتبطة بالعمليات الجراحية العصبية.
من المثير للاهتمام أنه تم استخدام أول جهاز روبوتي في مجال جراحة الأعصاب؛ حيث استُخدم 200Unimation PUMA روبوت، وهي آلة مصممة للاستخدام الصناعي، لوضع إبرة بدقة باستخدام التوجيه بالأشعة المقطعية لرجل يبلغ من العمر 52 عامًا عند إجراء خزعة مجسمة لآفة عميقة داخل المخ. على الرغم من أن عملية إدخال الإبرة وأخذ الخزعة كانت تتم يدوياً، إلا أن قدرة الروبوت على وضع إبرة الخزعة بدقة، وكانت هذه العملية سابقة تقنية. وسرعان ما أعقب ذلك استخدام الروبوت نفسه (200 PUMA) للعمل كمساعد من خلال المساعدة في سحب الأنسجة العصبية الحساسة أثناء الاستئصال الجراحي للأورام المهادية منخفضة الخطورة لدى الأطفال. وكان أول جهاز روبوتي معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) مصمم خصيصاً للاستخدام في جراحة الأعصاب هو الروبوت NeuroMate (” النظم الجراحية المتكاملة“، ساكرامنتو، كاليفورنيا، الولايات المتحدة). وفيما يتعلق بجراحة العمود الفقري، توجد العديد من المعدات الروبوتية التي توفر توجيه بالأدوات وتحديد مكان إدخال الزرعة.
ثانيا: أنظمة الروبوتات المستخدمة في دراحات المخ والأعصاب
على الرغم من وجود العديد من الأنظمة الروبوتية الموجودة حالياً في السوق للتطبيق في جراحة الأعصاب، إلا أنه يمكن تصنيفها جميعاً بشكل عام إلى ثلاث فئات: الروبوت الجراحي عن بُعد، والروبوت الذي يتحكم فيه الجراح، والأنظمة المشتركة/المحمولة باليد والتي يتم التحكم فيها.
1. الروبوت الجراحي عن بُعد
في هذا النوع من الروبوتات، يتحكم الجراح عن بُعد في تصرفات الروبوت. يحمل الروبوت NeuroArm (جامعة كالجاري، ألبرتا، كندا) آمالاً عظيمة. وهو عبارة عن ذراع روبوتية متوافقة مع التصوير بالرنين المغناطيسي تحاكي حركات يدي الجراح. يستخدم محركات كهروضغطية وله ثماني مستويات من التحرّك الحر (DOF). وهو قيد التطوير المستمر مع أدوات جراحية مجهرية مصممة خصيصاً لهذا الغرض (والتي تستشعر القوة وتقوم بمعايرتها) التي أضيفت في الوقت الحالي إلى الذراع الروبوتية. وقد أدت الدراسات الأولية الواعدة التي أجريت على الفئران؛ إلى استخدامه مؤخرًا مع البشر. وهو أول روبوت يوفر تقييمات حسّية ويتحكم فيه جراح الأعصاب الذي يعمل من وحدة عمل عن بُعد خارج غرفة العمليات. وقد تم تسجيل مشاركته في أكثر من 1,000 عملية جراحية عصبية، بما في ذلك خزعات الأورام الموجهة بالرنين المغناطيسي والتشريح الجراحي المجهري واستئصال الورم الدموي.
روبوت الجراحة عن بعد
2. الروبوت الذي يتحكم به الجراح
هنا يساعد الروبوت الجراح في تنفيذ المهام الدقيقة. بعد البدء باستخدام روبوتات PUMA في منتصف الثمانينيات، لا تزال هذه النماذج الأولى هي الروبوتات الأكثر استخداماً في جراحة الأعصاب اليوم. تم تطوير روبوتات أخرى لاحقاً، مثل روبوتات Minerva وPathfinder . وتؤدي هذه الروبوتات إلى حد كبير مهام التصوير المجسّم بإطار أو بدون إطار، وقد تطورت من توجيه إبر الخزعة إلى تخطيط وإدخال مسامير عنقية في العمود الفقري. تُستخدم الآن الروبوتات الخاضعة للإشراف مثل نظام SpineAssist ونظام Renaissance (”مازور للتقنيات الجراحية“، قيصرية، إسرائيل) على نطاق واسع في أجهزة العمود الفقري، ومؤخراً تمت الموافقة على استخدامها في الدماغ.
الروبوت الذى يوجهة الجراح
3. الروبوت المحمول باليد
حيث يتحكم الجراح والروبوت معاً بالأدوات المستخدمة في معالجة وتشريح تراكيب الدماغ. وبالتالي، يمكن استخدام الإجراءات الدقيقة للروبوت جنباً إلى جنب مع مهارات التحكم والبراعة اليدوية لجراح الأعصاب. وبطريقة ما، فإن الأمر أشبه بالحصول على أفضل ما في المجالين. لا يوجد سوى عدد قليل من هذه الأنظمة قيد التطوير. ويُعد نظام اليد الثابتة (جامعة جون هوبكنز، بالتيمور، ماريلاند، الولايات المتحدة) مثالاً نموذجياً. يُحمل هذا الجهاز من قبل الجراح، ويسمح بتشريح أدق والتخلص من مشكلة الارتعاش وإرهاق العضلات. وتشمل الأجهزة الأخرى جهاز Evolution ، الذي يمكن التحكم به لإجراء عمليات جراحية بالمنظار. أما الروبوت العصبي (جامعة شينشو، ماتسوموتو، اليابان) فهو جهاز يتم التحكم فيه عن بُعد ويتكون من منظار داخلي مزود بملقط نسيج مزدوج يمكن أن يساعد في استئصال الورم.
روبوت محمول باليد
ثالثا: المزايا والابتكارات التقنية في الجراحة الروبوتية العصبية
الجراحة بمساعدة الروبوت (RAS)، تقدم الكثير من المزايا في العمليات الجراحية؛ لأنها فى الغالب تكون طفيفة التوغل مما يؤدى إلى كمية نزيف أقل وانخفاض فى التندب وسرعة التعافي والخروج من المستشفى. وساعدت تقنية RAS في تبسيط إجراءات
جراحة العمود الفقري الروبوتية. وصرح أحد كبار جراحي العمود الفقري قائلا: ”ستعمل هذه التقنية حقاً على تغير شكل غرفة العمليات لدينا“. فباستخدام تقنية RAS، تصبح العمليات الجراحية أقل إيلامًا، وأكثر دقة، وأكثر قابلية للتنبؤ، ويستطيع المرضى النهوض والمشي بعد الجراحة في وقت أقرب بكثير, مقارنة بجراحة العمود الفقري التقليدية المفتوحة. أدرك الجراحون حول العالم أن جراحة العمود الفقري باستخدام الروبوت توفر العديد من مزايا الرعاية الصحية في المستقبل – على الرغم من عدم انتشارها على نطاق واسع. ومن ضمن المزايا العديدة للجراحات الروبوتية:
- الدقة
تتفوق الأنظمة الروبوتية في الدقة، مما يمكّن الجراحين من إجراء جراحات معقدة بدقة تفوق ما يمكن أن تحققه اليد البشرية وحدها. يقلل ثبات الأذرع الروبوتية ودقتها من مخاطر الأخطاء البشرية أثناء الجراحة، مما يؤدي إلى تحسين نتائج المرضى وتقليل مضاعفات ما بعد الجراحة.
- المهارة الفائقة
تم تجهيز الأنظمة الجراحية الروبوتية بأذرع روبوتية يمكنها الدوران 360 درجة وتحاكي الحركات الطبيعية ليد الجراح ولكن مع تقليل الارتعاش العضلي بشكل كبير. هذه المهارة الفائقة ذات أهمية خاصة للعمل في الأماكن الضيقة داخل الجسم وأداء المهام المعقدة بكفاءة. يمكن للجراحين التعامل مع الأنسجة وأدوات الجراحة بتحكم عالٍ، مما يعزز من قدراتهم الجراحية.
- الحماية من مخاطر الإِشعاع
استخدام RAS في بعض العمليات الجراحية يقلل من عدد الصور الإشعاعية المطلوبة أثناء العملية، وهذا يؤدي إلى إلى تعرض أقل للإشعاع للمريض ولفريق الجراحة.
- تقليل التدخل الجراحي اثناء العمليات
بفضل التصميم المبتكر للروبوتات، يمكن للجراحين إجراء عمليات دقيقة باستخدام شقوق صغيرة جدًا. هذا يقلل من الألم والندوب ويُسرع من فترة التعافي بعد الجراحة. فالعمليات التي كانت تحتاج إلى جراحات واسعة أصبحت الآن تُجرى بأقل تدخل ممكن. بالإضافة إلى ذلك، أشارت دراسات إلى أن فترة التعافي تنخفض بنسبة 30% مقارنة بالجراحات التقليدية.
- رؤية فائقة
توفر الأنظمة الروبوتية تصورًا ثلاثي الأبعاد عالي الجودة للمجال الجراحي، مما يوفر تصورًا عميقًا وإحساسًا بالمكان يفوق التنظير البطني التقليدي ثنائي الأبعاد. وتفيد هذه الملاحظات البصرية المتطورة الجراحين بشكل كبير من خلال تحسين قدرتهم على التنقل في البنية التشريحية بأمان ودقة. فهو يسمح بتحديد أفضل للأنسجة الخطيرة واستخدام الأدوات بدقة. تتميز الأنظمة الروبوتية الحديثة بدمجها لتقنيات تصوير متقدمة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وتصوير الدماغ ثلاثي الأبعاد. هذه التقنيات تساعد الجراح في تخطيط الجراحة بدقة وفي الوقت الفعلي أثناء الإجراء. على سبيل المثال، تُستخدم هذه التقنيات لتحديد الأورام بشكل دقيق مما يقلل من احتمالية ترك أي أنسجة ورمية.
- تقليل إجهاد الجراح
تقلل الجراحة الروبوتية من الإجهاد البدني الذي يتعرض له الجراحون؛ حيث يزيل حاجة الجراحين إلى الانحناء فوق طاولة العمليات. على عكس الجراحة المفتوحة التقليدية، التي غالبًا ما تتطلب الوقوف لفترات طويلة وحمل الأدوات الثقيلة، تسمح الجراحة الروبوتية للجراحين بإجراء العمليات الجراحية بشكل مريح من وضعية الجلوس على وحدة التحكم الجراحية. هذا التخفيف من الإرهاق البدني يُمكِّن الجراحين من الحفاظ على أعلى مستوى من الأداء خلال العمليات الجراحية الطويلة، مما يُزيد في النهاية من سلامة المرضى ومن الحصول على النتائج الجراحية المرضية.
- منحنى تعلم أسرع
توفر الأنظمة الروبوتية معلومات حقيقية عن الحالات المرضية وبرامج محاكاة، مما يسهل اعتماد التقنيات الجراحية الجديدة وإتقانها بشكل أسرع.
رابعا: التطبيقات الإكلينيكية للجراحة الروبوتية العصبية
تطورت جراحة الأعصاب الدقيقة لتشمل المجهر الجراحي العصبي؛ والأدوات الجراحية المصغرة؛ والتدخل الدقيق غير الجراحي إلى آفات الجهاز العصبي. تُحدث الجراحة الروبوتية تحولاً سريعاً في المشهد الطبي، حيث تقدم عمليات جراحية طفيفة التوغل ودقيقة للغاية لم يكن من الممكن تصورها في السابق. لا تُحدث هذه التقنية المتطورة ثورة في طريقة عمل الجراحين فحسب، بل تُحسِّن أيضاً من نتائج المرضى وجودة حياتهم.
الجراحة التقليدية المفتوحة، على الرغم من فعاليتها، إلا أنها غالباً ما تأتي بعيوب مثل الشقوق الكبيرة وتلف الأنسجة الشديد وطول فترة التعافي. وعلى الرغم من أن الجراحة بالمنظار أقل توغلاً، إلا أنها قد تكون صعبة بسبب حداثتها على المجتمع الطبي. تعمل الجراحة الروبوتية على سد الفجوة، حيث تقدم مزايا كلا النهجين مع تقليل قيودهما.
تشبه الجراحة الروبوتية في جوهرها وجود جرّاح على درجة عالية من المهارة يجرى الجراحة للمريض، بينما تشبه الجراحة بمساعدة الروبوت وجود أداة قوية ودقيقة في يد الجراح. يقدم كلاهما مزايا كبيرة مقارنة بالجراحة التقليدية المفتوحة، ولكن يختلف مستوى تحكم الروبوت الذاتي ومشاركة الجراح.
يتم إجراء الجراحة الروبوتية بالكامل بواسطة روبوت يتحكم فيه الجراح من وحدة تحكم. يقوم الجراح بعمل شقوق صغيرة وإدخال أدوات مصغرة في جسم المريض. يتم توصيل هذه الأدوات بأذرع روبوتية يتم التحكم فيها بواسطة حركات يد الجراح وعصا التحكم. ثم يترجم الروبوت هذه الحركات إلى حركات دقيقة وحساسة داخل جسم المريض.
ومن ناحية أخرى، تُعد الجراحة بمساعدة الروبوت جهداً تعاونياً بين الجراح والروبوت. فالجراح يعمل مباشرة من خلال شقوق صغيرة، ولكنه يستخدم نظاماً روبوتياً لتعزيز قدراته.
أمثلة على العمليات الجراحية الروبوتية:
الجراحة العصبية في الرضع والصغار
تنطوي الجراحة في طب الأعصاب على تحديات جراحية فريدة خاصة بها؛ بسبب صغر حجم المنطقة المستهدفة وهشاشة أدمغة الرضع والأطفال الصغار. وقد تناول أحد المراكز الجراحية تجربة استخدام التكنولوجيا الروبوتية في هذه الفئة من المرضى بشكل جيد، حيث قاموا بتقييم 116 طفلاً خضعوا لسلسلة من 128 عملية جراحية في مستشفى بامبينو جيسو للأطفال (روما، إيطاليا). وأبلغ القائمون عن الفائدة الفائقة لجهاز ROSA في هذه المجموعة الصغيرة، التي شملت عدة أنواع من الإجراءات الجراحية العصبية بما في ذلك الخزعة المجسمة، والتنظير العصبي، والتحفيز العميق للمخ والأعصاب، ووضع قطب كهربائي لتخطيط كهربية الدماغ، ووضع القسطرة داخل التكيسات.
عانى 3.9% فقط من المرضى من عجز عابر بعد الجراحة، ولم يعانِ أي منهم من عجز دائم. كشف معدل النجاح المرتفع هذا عن سلامة المساعدة الروبوتية في مرضى جراحة الأعصاب لدى الأطفال وأظهر انخفاضًا تدريجيًا في وقت العملية مع زيادة استخدام النظام. من الضروري إجراء دراسات مستقبلية إضافية تشمل أعدادًا أكبر من المرضى ومقارنة دقة الهدف النهائي والمقاييس الأخرى، بما في ذلك جودة الحياة ومعدلات مراجعة الزرعات، لتأكيد هذه النتائج.
علاج السكتات الدماغية
كما استفاد أحد الإجراءات المتعلقة بالسكتة الدماغية في جراحة الأعصاب، والذي يركز على إفراغ النزيف داخل المخ، من الاختراعات الروبوتية المجسمة. عادةً ما كانت هذه الإجراءات تتطلب جراحة تقليدية تتطلب فصل القحف للوصول إلى نقطة دخول قشرية مناسبة لإزالة ورم دموي عميق الجذور. وقد خضع هذا الإجراء الجراحي لتحديثات في الآونة الأخيرة، حيث تم تسهيله عن طريق الشفط بواسطة التوجيه المُجسم من خلال ثقب واحد.
قارنت دراسة منهجية حديثة بين نتائج ثلاثة أنظمة للملاحة العصبية في إخلاء الورم الدموي الخبيث بالتوجيه المجسم من خلال ثقب واحد: Medtronic AxiEM و Stryker iNtellect و BrainLab VectorVision] يعتمد النظام الأول من هذه الأنظمة على تسجيل المريض باستخدام التجسيم الكهرومغناطيسي، بينما يعتمد النظامان الأخيران على التجسيم البصري. وعلى الرغم من الاختلافات التكنولوجية والاختلافات الأساسية في التسجيل والتخطيط الجراحي والإعداد الجراحي والاستخدام أثناء الجراحة، فقد وُجد أن الأنظمة الثلاثة تعطي نتائج متكافئة ودقة ممتازة في الإجراء. تشمل المزايا المميزة لأنظمة التسجيل الكهرومغناطيسي بدون تثبيت (AxiEM وiNtellect) تعدد استخداماتها في الحالات التي يُمنع فيها تثبيت الجمجمة الصلبة. وبهذه الطريقة، يوفر التقدم المستمر للروبوتات في الجراحة المجسمة دقة محسنة ونهجاً أكثر تحفظاً وأقل تدخلاً في علاج السكتة الدماغية النزفية.
تحفيز الدماغ العميق (DBS)
تحفيز الدماغ العميق هو إجراء يستخدم لعلاج اضطرابات عصبية مثل مرض باركنسون والصرع المقاوم للأدوية. باستخدام الأنظمة الروبوتية، يمكن زراعة الأقطاب الكهربائية في الدماغ بدقة متناهية. دراسات حديثة أشارت إلى أن هذه التقنية أدت إلى تحسين الأعراض بنسبة تصل إلى 60% في حالات باركنسون المتقدمة.
الجراحة الشوكية
في مجال الجراحة الشوكية، تُستخدم الروبوتات لتثبيت الفقرات وزراعة المسامير بأعلى مستوى من الدقة، مما يقلل من معدلات الأخطاء الجراحية ويُحسن النتائج السريرية. دراسات أظهرت أن استخدام الروبوتات قلل من معدلات الخطأ بنسبة 40% مقارنة بالتقنيات التقليدية.
خامسا: مستقبل الجراحة الروبوتية
يتطور مجال الجراحة الروبوتية باستمرار، مع التطورات المستمرة التي تدفع حدود ما هو ممكن إلى أماكن لم نكن نتخيل الوصول إليها يوما ما.
- دمج الذكاء الاصطناعي
يتم دمج خوارزميات الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الروبوتية لمساعدة الجراحين في اتخاذ القرارات وتحسين الخطط الجراحية والتنبؤ بالمضاعفات المحتملة.
- الجراحة عن بُعد
تخيل جراحاً يجري جراحة لمريض على بعد أميال!. تمهد تقنية التواجد عن بُعد الطريق أمام الجراحة الروبوتية عن بُعد، مما يزيد من إمكانية الوصول إلى الرعاية المتخصصة والتغلب على الحواجز الجغرافية.
- الروبوتات متناهية الصغر
يتم تصور الروبوتات المجهرية لإجراء عمليات جراحية دقيقة داخل جسم الإنسان، مما يوفر تدخلات طفيفة التوغل على المستوى الخلوي.
وبينما لا تزال هناك تحديات مثل التكلفة والتدريب، تمثل الجراحة الروبوتية نقلة نوعية في الرعاية الجراحية. ومع استمرار تطور هذه التكنولوجيا وزيادة إمكانية الوصول إليها، فإن لديها القدرة على إضفاء الطابع الديمقراطي على الرعاية الصحية، وتحسين نتائج المرضى، والدخول في عصر جديد من الدقة الجراحية والتدخلات الجراحية طفيفة التوغل.
هناك العديد من الأنظمة الروبوتية التي تم تطويرها لمواجهة التحديات في جراحة العمود الفقري. يتم تعزيز هذه الأجهزة من خلال التحسينات والتقدم في أنظمة توجيه الصور أثناء العملية. ركزت الدراسات السابقة على الموضع الدقيق لأجهزة العمود الفقري. علاوة على ذلك، يمكن افتراض أن العلاج الإشعاعي أثناء الجراحة (الجراحة الإشعاعية) هو أحد أساليب الجراحة الروبوتية الشائعة في العمود الفقري؛ ومع ذلك، فهي ليست تقنية جراحة حقيقية ويمكن استخدامها كطريقة مساعدة أو بديلة للجراحة. في الجراحة الإشعاعية، يمكن للروبوتات تتبع حركات العمود الفقري بسبب التنفس والإشعاع الصادر من الأنسجة المستهدفة بدقة عالية.
ومثل تطبيقات الجراحة الإشعاعية القحفية، فإن النوع الفرعي الروبوتي الأكثر شيوعًا في الجراحة الإشعاعية التجسيمية للعمود الفقري هو نظام Cyberknife (Accuracy, Sunnyvale, CA, USA) الذي يعتمد على خطة علاج إشعاعي محسوبة للعلاج الإشعاعي بالحزمة المركزة. يمكن لهذا النظام ضبط مسارات المجال الإشعاعي باستخدام آليات التغذية الراجعة لتصحيح حركات تنفس المريض. وعلاوة على ذلك، يستخدم نظام ”روبوكوش“ لتحديد موضع المريض؛ تقنية مماثلة لنظام Cyberknife لتصحيح وضع المريض أثناء العلاج.
بالنسبة لجراحات العمود الفقري التقليدية، هناك عدة أنواع من الأنظمة الروبوتية المطورة. استخدمت معظم الدراسات السابقة ثلاثة أنظمة روبوتية بما في ذلك الروبوت ROSA® (ميدتيك، مونبلييه، فرنسا)، و SpineAssist (مازور للتقنيات الجراحية، قيصرية)، وروبوت التوجيه الجراحي رينيسانس (مازور روبوتيكس المحدودة، قيصرية). استُخدمت هذه الأنظمة بشكل أساسي في إجراءات وضع البراغي والعمود الفقري. وقد تم اختبار هذه الأجهزة، إلى جانب الأنظمة الموجهة بالصور، من أجل وضع المسمار اللولبي بدقة.
أبلغت معظم الدراسات عن دقة أعلى أو دقة مماثلة للأنظمة الروبوتية مقارنة بالجراحات اليدوية التقليدية. ومع ذلك، كانت أوقات الإجراءات الإجمالية المسجلة أقل في الجراحات اليدوية الحرة.
تم تقييم SpineAssist أكثر من الأنظمة الروبوتية الأخرى. قام الباحثون بتقييم الروبوت المصغر SpineAssist (MAZOR Surgical Technologies، قيصرية) لوضع البرغي ثنائي العنق ذوالأوجه الجانبية . يتكون النظام من ذراع ساكنة مثبتة على جزء ثابت من الهيكل العظمي المحوري. إن جهاز SpineAssist معتمد حاليًا من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لتركيب أجهزة العمود الفقري. أبلغت معظم الدراسات السابقة عن دقة أعلى في وضع الأدوات في نظام SpineAssist مقارنة بالجراحات اليدوية. ومع ذلك، هناك العديد من الدراسات التي أبلغت عن دقة أقل لهذا النظام. يبدو أن أنظمة الجراحة الروبوتية الأخرى، مثل الروبوت ROSA® Robot تحتاج إلى مزيد من البحث لاستنتاج دقتها مقارنة بالتقنية اليدوية الحرة.
الخاتمة
على مدى العقود الثلاثة الماضية، قدمت الروبوتات مساهمة تكنولوجية كبيرة في مجال جراحة الأعصاب التجسيمية المتطورة باستمرار، حيث أظهرت نتائج واعدة وآمنة وعالجت التحديات الكامنة في الإجراءات الجراحية العصبية المعقدة. وعلى وجه الخصوص، فقد أحدثت ثورة في مفاهيم والدقة والمهارة والقدرة على التحمل وكلها تحديات يواجها جراح الأعصاب في العصر الحديث.