تُعتبر جراحة المخ من أكثر التخصصات الطبية تحديًا نظرًا لحساسية وتعقيد بنية الدماغ البشري. تتطلب العمليات الجراحية في هذا المجال دقة متناهية لتجنب إلحاق الضرر بالأنسجة الحيوية المسؤولة عن الوظائف العصبية الأساسية. مع تطور التكنولوجيا الطبية، ظهرت تقنيات حديثة تهدف إلى تحسين نتائج الجراحات العصبية، ومن أبرزها الملاحة الإلكترونية في جراحة المخ.
تُمثل الملاحة الإلكترونية (Neurosurgical Navigation) ثورة في مجال الجراحة العصبية، حيث توفر للأطباء أدوات متقدمة تمكنهم من التخطيط للجراحة بدقة متناهية، وتحديد موقع الورم أو الآفة العصبية بدقة ميكرومترية، مما يقلل من مخاطر المضاعفات ويزيد من فرص نجاح العملية. تعتمد هذه التقنية على دمج التصوير الطبي المتقدم مع أنظمة التوجيه ثلاثية الأبعاد، مما يتيح للجراحين العمل بدقة أكبر داخل مناطق الدماغ الحساسة. التصوير الجراحي والملاحة الجراحية مهمين لجراحة الأعصاب بسبب الحاجة إلى الوصول بأمان إلى المساحات الجراحية الصغيرة والعميقة والتعامل مع البنية الوعائية العصبية الحساسة.
في ظل التقدم التكنولوجي دائم التوسّع تم تطوير نوعين من الأدوات: بعضها لتحسين التصوير مثل المجهر والمناظير الداخلية والمناظير الجراحية وأحدثها المنظار الخارجي؛ والبعض الآخر الذي يسمح بتوجيه أفضل، مثل تقنيات التصوير والملاحة وأنظمة التحكم والمراقبة. يمكن اعتبار الواقع المعزز (AR) – التكنولوجيا التي تتيح نقل المحتوى الرقمي إلى الواقع الملموس – مزيجًا من كلا النوعين من هذه التقنيات. وعلى هذا النحو، فإن لديه القدرة على توفير بيئة جراحية مثالية تُركِّز على الجراح والمريض، مما يحسِّن السلامة والفعالية، ويتيح التدريب ويقلل التكاليف.
من أجل فهم أفضل للكيفية التي يمكن للواقع المعزز أن يطوّر بها الممارسة الحالية لجراحة الأعصاب، من المهم تصميم خريطة لتطور التصوير والملاحة في جراحة الأعصاب وتقديم نظرة عامة منهجية على التطبيقات الحالية للواقع المعزز في جراحة الأعصاب.
يهدف هذا المقال إلى استكشاف مفهوم الملاحة الإلكترونية في جراحة المخ، والتقنيات المستخدمة فيها، وأهميتها في تحسين نتائج العمليات الجراحية، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها هذه التقنية وآفاقها المستقبلية.
أولا: مفهوم الملاحة الإلكترونية العصبية
الملاحة الإلكترونية في جراحة الأعصاب هي إجراء العمليات الجراحة بمساعدة الحاسوب. وهذا يعني استخدام أجهزة الكمبيوتر لمساعدة الجراح وتقليل الأخطاء والمضاعفات.
بالمعنى الأشمل للكلمة، تنتمي العمليات بمساعدة الحاسوب إلى التقنيات القائمة على المعدات للتشخيص أثناء الجراحة. وقد أصبحت هذه التقنيات جزءاً لا يتجزأ من الممارسة اليومية لجراحة الأعصاب. تُمكّن الملاحة العصبية الجراح من رؤية” أكثر” من الموقع الجراحي أمامه. حيث يمكنه رؤية الأنسجة ثلاثية الأبعاد والعصب والأنسجة الأخرى على شاشة الكمبيوتر أثناء العمليات الجراحية. يعرض الكمبيوتر أيضاً الموضع الحالي للأدوات الجراحية المجهرية المستخدمة. وهذا يمكّن الجراح من توجيه نفسه بدقة.
ويعود أول وصف للملاحة أثناء الجراحة إلى جراح الأعصاب الأمريكي د. روبرتس في عام 1986. وفي نفس الوقت تقريباً، تم تطوير أنظمة مماثلة في أوروبا (موسجيس وراينهارت) واليابان (واتانابي).
الملاحة الإلكترونية في الجراحة العصبية هي تقنية تعتمد على أنظمة تحديد المواقع داخل الدماغ باست خدام صور الأشعة المقطعية (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET). يتم دمج هذه الصور مع برامج متقدمة تتيح للجراح رؤية ثلاثية الأبعاد للدماغ في الوقت الحقيقي أثناء الجراحة.
تساعد هذه التقنية في تحديد موقع الآفات العصبية، مثل الأورام أو مناطق الصرع، مع توجيه الأدوات الجراحية بدقة لتجنب إلحاق الضرر بالأنسجة السليمة. تُستخدم الملاحة الإلكترونية بشكل رئيسي في العمليات الجراحية الدقيقة التي تتطلب استهدافًا دقيقًا، مثل استئصال الأورام العميقة أو جراحات اضطرابات الحركة مثل مرض باركنسون.
تعمل الملاحة العصبية كنظام من التقنيات التي تربط جهاز التعقب أثناء الجراحة بمرجع تصويري: يتم تحميل التصوير قبل الجراحة أو أثناء الجراحة (الأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسي) على جهاز الكمبيوتر؛ وبمجرد تثبيت رأس المريض، يتم استخدام نظام الأشعة تحت الحمراء أو المغناطيسية لإقران التصوير بأدوات إرشادية متصلة بالمريض بشكل ثابت. ثم يتم تمثيل الأدوات التي تم تتبعها على الشاشة، متراكبة على التصوير الأولي، مما يسمح للجراحين بالتحقق في الوقت اللحظي من الموقع الدقيق لحركاتهم.
تستخدم الملاحة العصبية على نطاق واسع وأصبح مطلباً أساسياً في معظم غرف عمليات جراحة الأعصاب. البرنامج نفسه محمي بترخيص وغير متاح للجمهور؛ وعادةً ما يتضمن، من بين أمور أخرى، استخدام الخوارزميات.
وفي السنوات الأخيرة، تم تطوير هذه التكنولوجيا أكثر فأكثر. لم تعد الملاحة العصبية تستخدم فقط في جراحة أورام المخ. بل أصبحت منتشرة بشكل متزايد في حالات مرضية أخرى مثل:
- التشوهات الوعائية الدماغية.
- في منطقة العمود الفقري عند إدخال مسامير التثبيت أو أثناء جراحة الأورام.
مجموعة التطبيقات والمؤشرات السريرية للملاحة العصبية هي نفسها لجميع الأنظمة.
- الغرض الإكلينيكي من الملاحة العصبية هو:
- التحضير للجراحة (الحصول على بيانات الصورة والتحضير والتخطيط).
- الربط الأولي أثناء العملية (الإحالة المرجعية).
- التطبيق الفعلي أثناء العملية (تحقيق تخطيط الوصول والتوجيه أثناء العملية).
كما يتم دراسة الواقع المُدمَج أو المُعزَّز ليعمل بشكل مشابه للملاحة العصبية: يتم تركيب تمثيل ثلاثي الأبعاد للتراكيب داخل الجمجمة أو تخطيط المسار قبل الجراحة على المجال الجراحي، إما من خلال الإسقاط المباشر أو النظارات الذكية (الواقع الافتراضي).
ثانيا: تطور الملاحة الجراحية
يمكن إرجاع أولى التجارب الجادة لتحديد موقع بنيات تشريحية محددة بدقة داخل جسم الإنسان إلى أواخر القرن التاسع عشر. وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، لكن التحدي الرئيسي لاستهداف بنية تشريحية معينة على وجه التحديد بطرق أكثر أمانًا وأقل توغلاً ظل كما هو. ولم يصبح الاستهداف الدقيق والآمن للتشريح حقيقة واقعة إلا مع ظهور التصوير الطبي المرتبط بالنمو الهائل لقدرات المعالجة الحاسوبية. كان التصوير الطبي شرطاً أساسياً مهماً لتمكين الملاحة. ومع ذلك، يظل الجراحون الرواد القوة الدافعة وراء تطوير الملاحة الجراحية. فقد دفع هؤلاء الأطباء إلى تطوير تكنولوجيا جديدة لحل المشاكل الجراحية التي تواجههم. في الأساس، دفعت ثلاثة عوامل رئيسية إلى تطوير الملاحة في الجراحة كما نعرفها اليوم: جراحة الأعصاب، والتصوير الفراغي المجسَّم، والتصوير الطبي.
ويبدو أن تضافر التطور التكنولوجي والجراحة هو الأقوى عندما نواجه تحدي إجراء عملية جراحية على أكثر أعضاء الجسم البشري حساسية، وهو الدماغ. يعكس تاريخ جراحة المخ والأعصاب بأكمله سعيًا ملحميًا لإجراء جراحة المخ بأقل قدر ممكن من التدخل الجراحي. والسبب في ذلك هو أن جراحة المخ والأعصاب هي فن الجراحة داخل عضو يزخر بالمناطق الحساسة أو الخطيرة التي تؤثر بشكل مباشر على الحالة العقلية والجسدية للمريض. ينحصر الدماغ في مساحة ضيقة ومكتظة مع تراكيب حيوية أخرى، مثل الأوعية الدموية والأعصاب القحفية، والتي يمكن أن تسبب بحد ذاتها عجزاً وظيفياً كبيراً في حال تلفها. ونظراً لوفرة الهياكل الخطرة والمناطق القشرية وتحت القشرية الخطيرة يمكن أن يكون الوصول الجراحي محدوداً. غالباً ما تكون الرؤية أثناء الجراحة للمنطقة المستهدفة مقيدة وتفتقر إلى المعالم التشريحية للتوجيه. ولذلك، غالبًا ما يكون جراحو الأعصاب من أوائل من يتبنون التكنولوجيا الجديدة التي تبشر بتخفيف المخاطر الجراحية وتحسين نتائج المرضى.
ثالثا: التقنيات المستخدمة في الملاحة الإلكترونية لجراحة المخ
1 تقنيات التصوير الطبي المتقدمة
تعتمد الملاحة الإلكترونية على مجموعة من تقنيات التصوير الطبي لتوفير خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة للدماغ، ومن أبرز هذه التقنيات:
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يوفر صورًا عالية الدقة للأنسجة الرخوة، مما يساعد في تحديد الحدود بين الأنسجة السليمة والمريضة بدقة.
- التصوير المقطعي المحوسب (CT): يستخدم للحصول على صور تفصيلية للبنية العظمية والتجاويف الدماغية.
- التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET): يساعد في تحديد النشاط العصبي واستهداف الأورام أو المناطق المسؤولة عن نوبات الصرع.
2. أنظمة التوجيه ثلاثي الأبعاد
تعمل أنظمة الملاحة الإلكترونية من خلال دمج الصور الطبية مع برامج متقدمة تُستخدم لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للدماغ. توفر هذه الأنظمة:
- تصويرًا فوريًا ومباشرًا لموقع الأدوات الجراحية داخل الدماغ.
- محاكاة دقيقة لمسار الجراحة قبل البدء في العملية.
- إمكانية تحديث البيانات أثناء الجراحة لضمان دقة التوجيه في الوقت اللحظي.
.3 أنظمة التتبع البصري والمغناطيسي
يتم استخدام تقنيات التتبع لتحديد موقع الأدوات الجراحية بدقة أثناء العملية، وتشمل:
- أنظمة التتبع البصري (Optical Tracking Systems): تعتمد على كاميرات الأشعة تحت الحمراء لتتبع حركة الأدوات الجراحية داخل المجال الجراحي.
- أنظمة التتبع المغناطيسي (Electromagnetic Tracking Systems): تستخدم حساسات مغناطيسية صغيرة مثبتة على الأدوات الجراحية لتحديد موقعها داخل الدماغ بدقة عالية.
- السمات الرئيسية لأنظمة الملاحة العصبية
تتألف أنظمة الملاحة العصبية من عدة مكونات أساسية تعمل معاً لتوفير التوجيه الجراحي في الوقت اللحظي. تشمل المكونات الرئيسية ما يلي:
- برنامج التصوير: يدمج التصوير قبل الجراحة مع نظام الملاحة لإنشاء تصورات ثلاثية الأبعاد مفصلة.
- جهاز التحويل الرقمي: الذي يتم تحديد موقعه في المكان والذي يقوم بإجراء الربط بين بيانات الصورة والمريض. وتستخدم أجهزة تتبع متقدمة متصلة بالأدوات الجراحية لمراقبة الموقع في الوقت الفعلي.
- واجهة المستخدم: واجهة سهلة الاستخدام للجراح تعرض البيانات والصور في الوقت الحقيقي لتوجيه الحركات الجراحية الدقيقة.
أدت الابتكارات في تكنولوجيا الملاحة العصبية، مثل التصوير المحسّن والتغذية الراجعة في الوقت الفوري، إلى تحسين الدقة والسلامة الجراحية بشكل كبير. تُبرز العمليات الجراحية الناجحة باستخدام الملاحة العصبية دورها الذي لا غنى عنه في الطب الحديث.
سير عمل الملاحة العصبية. تتمثل الخطوة الأولى في الحصول على الصور التي يتم تحميلها بعد ذلك إلى النظام للسماح بإجراء
قبل الجراحة. ويلي ذلك تسجيل المريض من خلال استخدام مسبار الملاحة والفتحات
رابعا: آلية عمل نظام الملاحة العصبية
أثناء الملاحة العصبية، يقوم النظام باستمرار بتقييم الموقع المكاني وإحداثيات جهاز التحويل الرقمي. ويعيد توجيه البيانات المعالجة بحيث يمكن عرض وتحديد موقعه على بيانات الصورة في أي وقت. وبالتالي يمكن تحديد وعرض موقع جهاز التحويل الرقمي في جميع الأوقات أثناء العملية. يمكن أيضاً تعديل جهاز التحديد الرقمي أثناء العملية من خلال نقطة تركيز المجهر. تُستخدم أنظمة مختلفة كمحولات رقمية في الملاحة العصبية. تم تأسيس الأنظمة البصرية حالياً كنوع من الأنظمة القياسية في جراحة الأعصاب. يتم استخدام الأشعة تحت الحمراء أو الضوء المرئي، الذي يتم اكتشافه بواسطة الكاميرات، لتحديد موقع أداة التتبع الموضعي أو المجهر الجراحي.
تشهد أنظمة الاستشعار المغناطيسية حالياً نهضة في مجال الجراحة العصبية. فهي تستخدم تشوه المجال المغناطيسي المنبعث من النظام لتحديد الموقع. وفي الوقت الحالي، لم تكن تُستخدم إلا نادراً.
- الحصول على بيانات الصور وإعدادها والتخطيط للملاحة العصبية
يعتمد اختيار الطريقة المستخدمة في الملاحة العصبية في نهاية المطاف على نوع العملية المراد تصويرها.
على سبيل المثال، من المرجح أن يتم تصوير العملية المرتبطة بالعظام على النحو الأمثل في التصوير المقطعي المحوسب. وهذا ينطبق بشكل خاص على الملاحة العصبية في العمود الفقري. ومع ذلك، بالنسبة لمعظم المؤشرات في جراحة الأورام، يلعب فحص التصوير بالرنين المغناطيسي الدور الأكبر. يمكن تنفيذ البيانات الوظيفية مثل تصوير وظائف الكلام بسهولة أكبر هنا (ما يسمى بالمطابقة).
التنقل أثناء الجراحة باستخدام المجهر الجراحي، وتمثيل العملية، ورم ساركوما، في محاور الفراغ ثلاثي الأبعاد: بالإضافة إلى ذلك، يتم وضع بيانات الصورة الخاصة بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تحتها بحيث يمكن دمج المناطق المهمة وظيفيًا لمنطقة اليد والقدم. بالإضافة إلى ذلك، يتم إجراء مراقبة فيزيولوجية كهربائية، وهي عبارة عن تحفيز القشرة الحركية (قطب كهربائي حركي) لتحديد المناطق المهمة وظيفياً وحمايتها بشكل موثوق.
بغض النظر عن طريقة التصوير المختارة، يقوم الأطباء بوضع علامات في المنطقة الجراحية قبل العملية الجراحية. تُستخدم هذه العلامات للتسجيل لاحقًا. بالإضافة إلى ذلك، يتم إنشاء مجموعة بيانات حجمية لهذه المنطقة الجراحية، على سبيل المثال الجمجمة:
- تتكون مجموعة البيانات الحجمية من عدة صور على ارتفاعات مختلفة من الجمجمة، والتي يمكن دمجها لاحقاً في ثلاثة أبعاد.
- يتم بعد ذلك نقل مجموعات البيانات إلى نظام الملاحة.
- وهناك، استعداداً للملاحة العصبية، يتم إجراء التسجيل باستخدام العلامات وإعادة بناء صورة ثلاثية الأبعاد.
- يمكن للجراحين بعد ذلك تخطيط النهج وتحديد حدود الورم في مجموعة البيانات.
- تسجيل النظام واستخدام الملاحة العصبية أثناء الجراحة
في بداية العملية، يتم وضع المريض وتثبيت رأسه أثناء العملية. عادةً ما يتم توصيل الإطار المرجعي مباشرةً بمسند الرأس. وبالتالي يبقى في الموضع الصحيح بالنسبة لرأس المريض أثناء حركات الطاولة. يتم بعد ذلك تسجيل مجموعة البيانات بالارتباط مع المريض. بمجرد مقارنة كلا نظامي الإحداثيات باستخدام جهاز التحويل الرقمي، يمكن بدء الملاحة العصبية.
أساس التسجيل في الملاحة العصبية هو ارتباط النقاط المتطابقة في كلا نظامي الإحداثيات. ويتم ذلك إما عن طريق: استخدام العلامات المطبقة مسبقاً أو ترقيم سطح الجلد والاندماج مع إعادة بنائه من بيانات الصورة. وتعتمد دقة التسجيل بشكل أساسي على الانحراف أثناء الجراحة، مما يسمح بعد ذلك بتحديد الموقع الدقيق للمنطقة المستهدفة أثناء الملاحة العصبية. بعد التسجيل، يصبح نظام الملاحة جاهزاً للاستخدام.
يمكن للجراح تخطيط النهج وحجم وموضع فتحة الجمجمة. وهذا أمر مهم لتقليل الرضوض الجراحية. في هذه المرحلة من الإجراء، عادةً ما يتم عرض بيانات الصورة المتاحة عبر النقطة البؤرية للمجهر. ثم يتولى هذا بعد ذلك وظيفة جهاز التحويل الرقمي. وبهذه الطريقة، يمكن التمييز بين الأنسجة الطبيعية والمرضية تحت المجهر. عندما تصل إشارات التصوير إلى هوامش الورم، يمكن استخدام الملاحة العصبية للتحقق من تقدم العملية.
في هذا الشكل الذي تم إنشاؤه بواسطة نظام الملاحة العصبية، تُظهر صورة من فيديو المجهر في الزاوية السفلية اليسرى من الأسفل رؤية الجراح للمخطط (الأزرق) للآفة التي تم تجزئتها قبل الجراحة والتي سيتم استئصالها.
خامسا: فوائد الملاحة الإلكترونية في جراحة الأعصاب
توفر أنظمة الملاحة العصبية العديد من الفوائد، بما في ذلك:
1. تحسين الدقة ونتائج المرضى
توفر الملاحة الإلكترونية دقة متناهية تصل إلى مستوى الميكرومتر، مما يقلل من الأخطاء الجراحية ويزيد من فرص استئصال الورم بالكامل دون الإضرار بالأنسجة السليمة. الدقة المحسنة تقلل من خطر إلحاق الضرر بالأنسجة الخطيرة.
2. تقليل زمن الجراحة والتعافي
يساعد التوجيه المحسن في تقليل زمن العمليات الجراحية، مما يقلل من خطر تعرض المريض لمضاعفات التخدير. كما أن الدقة العالية تقلل من الحاجة إلى إجراءات تصحيحية لاحقة، مما يسرع من تعافي المرضى.
3. تقليل المضاعفات الجراحية
من خلال التوجيه الدقيق، يمكن للجراحين تجنب المناطق الحيوية في الدماغ، مما يقلل من خطر النزيف أو تلف الأعصاب الحرجة. تقلل الأساليب طفيفة التوغل من وقت التعافي وتقلل من المضاعفات.
4. تعزيز قدرة الجراح على إجراء العمليات المعقدة
تعمل التغذية الراجعة في الوقت اللحظي والتصوير المتقدم على تمكين الجراحين من التعامل مع العمليات الجراحية المعقدة بثقة أكبر.
5. تحسين معدلات نجاح العمليات الجراحية
أظهرت الدراسات أن استخدام أنظمة الملاحة الإلكترونية يؤدي إلى تحسين معدلات نجاح الجراحات العصبية، خاصة في عمليات استئصال الأورام واستهداف المناطق العميقة في الدماغ.
سادسا: التحديات والقيود في استخدام الملاحة الإلكترونية
من ضمن التحديات في استخدام الملاحة العصبية:
- ظاهرة إزاحة الدماغ
تتمثل إحدى التحديات الرئيسية في الملاحة العصبية في ظاهرة إزاحة الدماغ؛ وهي نقطة الضعف الرئيسية في الملاحة العصبية، حيث يتغير وضع الدماغ أثناء الجراحة بسبب عوامل مثل تصريف السائل النخاعي أو حركة الأنسجة. يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى اختلافات بين صور ما قبل الجراحة والتشريح الفعلي أثناء الجراحة، مما قد يؤثر على دقة الملاحة. حيث أن الجراح يغير البنيات التشريحية أثناء العملية؛ ومع ذلك، تستمر الملاحة العصبية في استخدام الصور التي تم إنشاؤها مسبقاً. بمعنى آخر، تُظهر الصورة على الشاشة موضعاً قديماً قبل الإجراء.
يمكن أن يكون هذا الخطأ، الذي يشار إليه عادةً باسم إزاحة الدماغ، كبيراً. ولا يمكن تصحيحه إلا باستخدام التصوير أثناء العملية، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير بالموجات فوق الصوتية.
- التكلفة العالية
تتطلب أنظمة الملاحة الإلكترونية تجهيزات متقدمة وبنية تحتية متطورة، مما يجعلها مكلفة لبعض المستشفيات، خاصة في الدول النامية. - الحاجة إلى تدريب مكثف
تحتاج هذه التقنية إلى تدريب مكثف للجراحين لضمان الاستخدام الأمثل والاستفادة الكاملة من إمكانياتها. - القيود التقنية
على الرغم من التقدم الهائل، لا تزال هناك تحديات تقنية مثل الحاجة إلى تحسين دقة التتبع المغناطيسي وتقليل التشويش الناجم عن الأدوات الجراحية المعدنية.
على الرغم من التطورات المتعدّدة، لا يمكن لتطبيقات مثل الملاحة العصبية أن تحل محل معرفة الجراح بالتشريح العصبي.
يمكن لجراح الأعصاب وحده أن يكون مسؤولاً عن مصداقية بيانات الملاحة والمعلومات الخاطئة في الملاحة العصبية. مصادر الخطأ المعروفة هي:
- العلامات الموضوعة بشكل غير كافٍ أو غير صحيح.
- إدخال بيانات الصورة بشكل غير صحيح.
- عدم تثبيت الإطار المرجعي.
- التسجيل غير الصحيح (مثل إزاحة العلامات).
ثامنا: آفاق المستقبل في الملاحة الإلكترونية لجراحة الأعصاب
في المستقبل، مع دمج القدرة على الملاحة العصبية متعددة الوسائط في الأنظمة الطبية المتاحة تجارياً، سيكون لدى الجراحين مجموعة متزايدة من الأدوات لتسهيل أخذ الخزعة واستئصال أورام الدماغ. نشعر أن الملاحة العصبية متعددة الوسائط التي تتضمن الموجات فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وتصوير المسارات ستصبح مستخدمة بشكل متزايد كوسائل مساعدة للتصوير بالرنين المغناطيسي الهيكلي في تخطيط وتنفيذ تدخلات آمنة وفعالة لأورام الدماغ الموجودة في المناطق الخطيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن دمج تقنيات التصوير الضوئي والجزيئي في البيئة الملاحية يبشر بالخير في تحسين سلامة وكفاءة عمليات استئصال أورام الدماغ.
ونظراً للضرورة المتزايدة لتقديم رعاية طبية فعالة من حيث التكلفة، فإن أهمية الدراسات المصممة جيداً لتحديد قيمة تقنيات ملاحة عصبية محددة ستكون ضرورية. من خلال تحسين الدقة الجراحية، نشعر أن استخدام تقنية الملاحة العصبية يمكن في بعض الحالات أن يقلل من التكلفة عن طريق تفادي الحاجة إلى إعادة الجراحة لأخذ خزعة من ورم الدماغ أو إعادة استئصال ورم الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، من خلال تمكين الاستئصال الكلي بين المرضى الذين يعانون من أورام قابلة للاستئصال، قد تقلل أنظمة الملاحة العصبية من التكاليف عن طريق تقليل احتمالية تكرار الإصابة. سيتم تصميم التحقق النهائي من صحة التقنيات المتطورة في الملاحة العصبية لقياس التأثير السريري والمالي لقدرة الجراح على إجراء الاستئصال الأقصى لأورام الدماغ بأمان.
- الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز
من المتوقع أن يتم دمج الذكاء الاصطناعي (AI) مع أنظمة الملاحة الإلكترونية لتحليل الصور الطبية وتوفير توصيات ذكية أثناء الجراحة. كما أن تقنيات الواقع المعزز (AR) ستتيح للجراحين رؤية الأنسجة العصبية بوضوح أثناء العمل داخل الدماغ.
قد يكون من الممكن في المستقبل أن يستخدم الجراحون أدوات ”ذكية“ يمكنها دمج المعلومات الملاحية أثناء نشرها. وفي حين تم تطوير عدد من الروبوتات للتطبيقات الجراحية، فإن نظام الذراع الروبوتية NeuroArm المتوافق مع التصوير بالرنين المغناطيسي يتميز بخصائص محددة تجعله مناسباً تماماً للتطبيق في بيئة جراحة الأعصاب. أولاً، يمكن لنظام NeuroArm العصبي دمج بيانات التصوير قبل الجراحة وأثناءها لتحديد مسار لإجراء عمليات جراحية مجسمة وجراحية دقيقة. بالإضافة إلى ذلك، تم تصميم NeuroArm لتوفير سهولة تبادل الأدوات وإمكانية استخدام أدوات جراحة الأعصاب القياسية. صُمم NeuroArm لإعادة إنشاء الإشارات متعددة الحواس التي يختبرها الجراحون، بما في ذلك التغذية الراجعة السمعية والبصرية واللمسية. يتم تحقيق التغذية الراجعة اللمسية عن طريق تقنية اللمس التي تتضمن مستشعرات عزم الدوران/القوة متعددة المحاور من التيتانيوم، مما يزيد من الكفاءة ويقلل من الأخطاء في بيئة الجراحة. يمكن أيضًا برمجة الذراع العصبية لمنع الجراح من الدخول إلى ”منطقة محظورة“ أو منطقة محددة مسبقًا، مثل الكبسولة الداخلية، التي قد تسبب عجزًا عصبيًا إذا تم التلاعب بها. طورت الدراسات الأولية جدوى استخدام الذراع العصبية للمساعدة في استئصال ورم الدماغ. يلزم إجراء المزيد من الدراسات السريرية لتحديد جدوى دمج الروبوتات في سير العمل في جراحة الأعصاب.
في السنوات القادمة، نتوقع أن يستمر تزايد الأدلة الداعمة لأهمية تحقيق الاستئصال الأقصى لأورام الدماغ. ومن المرجح أيضًا أن تستمر المعطيات في دعم الفرضية القائلة بأن الابتكارات التكنولوجية ضرورية لضمان تحقيق أفضل النتائج الجراحية. إن أنظمة الملاحة العصبية الأكثر استخدامًا اليوم محدودة بسبب اعتمادها على الصور قبل الجراحة. وستقوم الأنظمة المستقبلية بدمج بيانات التصوير المحدثة، التي يتم الحصول عليها على الأرجح عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي أثناء الجراحة، لتحسين دقة الملاحة. وبالتالي، من المرجح أن تصبح أنظمة الملاحة العصبية التي تتكامل بشكل جيد مع التصوير بالرنين المغناطيسي أثناء الجراحة، سواء من وجهة نظر البيانات أو من وجهة نظر سير العمل الجراحي، الأدوات المفضلة لخزعة ورم الدماغ واستئصاله.
- الطباعة ثلاثية الأبعاد لنماذج الدماغ
يمكن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء نماذج طبق الأصل من دماغ المريض، مما يساعد الجراحين على التخطيط للعملية بدقة قبل تنفيذها. لطالما احتاج مجال جراحة الأعصاب إلى منظور ثلاثي الأبعاد (3D) ممتاز. وقد أدى التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والتصوير المقطعي المحوسب (CT) إلى تحسين التخطيط قبل الجراحة وتصور العلاقات المكانية بين البنيات التشريحية الطبيعية وغيرها المرضية. ومع ذلك، فإن عيبها الرئيسي هو الافتقار إلى بُعد إضافي يُظهر تفاصيل أدق وترابطات أدق للجسم محل الاهتمام وقد يؤدي إلى تعاظم الأخطاء في مرحلة التخطيط للعمليات التي تنطوي على بنيات تشريحية خطيرة. وقد حفزت هذه المشكلة الحاجة إلى عمليات إعادة بناء ثلاثية الأبعاد للبيانات التصويرية للأشعة قبل الجراحة التي يجب أن تكون مرئية بأكثر الطرق المفهومة والنافعة والمعدلة حسب مستوى خبرة الجراح والهدف من العملية. هناك أنواع مختلفة من التصور المكاني الافتراضي المستخدم للتخطيط قبل الجراحة، بما في ذلك إعادة بناء البرمجيات ثلاثية الأبعاد مع أنظمة الملاحة العصبية، والبرمجيات التجارية للتخطيط قبل الجراحة، والبرمجيات مفتوحة المصدر التي يمكن تكييفها للتخطيط قبل الجراحة، والنماذج المطبوعة ثلاثية الأبعاد المادية المستمدة من بيانات التصوير المقطعي المحوسب أو التصوير بالرنين المغناطيسي.
الخاتمة
تمثل الملاحة الإلكترونية في جراحة المخ نقلة نوعية في جراحة الأعصاب، حيث توفر دقة غير مسبوقة تقلل من مخاطر العمليات الجراحية وتحسن من معدلات نجاحها. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه هذه التقنية، فإن التطورات المستمرة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات الجراحية، والواقع المعزز تبشر بمستقبل أكثر دقة وأمانًا في الجراحات العصبية. مع استمرار البحث والتطوير، يمكن أن تصبح الملاحة الإلكترونية أداة معيارية في جميع عمليات جراحة المخ، مما يسهم في إنقاذ الأرواح وتحسين جودة حياة المرضى.